2010/10/08

الصرافيون


للأسف...
هاهو "مستثقف" آخر يسقط.
هذه المرة "الدكتور والمفكر والعالم الأستاذ طارق حجي"، كما يلقبه الأستاذ أحمد الصراف، فما أن "زعل" حجي على الصراف، بسبب رسالة بعث بها الأخير في البريد الالكتروني، حتى أبرق له قائلا بفجاجة وعنصرية "لغتي راقية، سواء أعجبتك أو لم، فالأستاذ بقسم الدكتوراة بجامعة أكسفورد لا ينتظر شهادة من خليجي"؟
حسنا لنقل الأمر بصورة مختلفة؟
فلو افترضنا جدلا، خلافا بين مفكرين تقدميين، ينتميان إلى المعسكر المناهض للإمبريالية وصدام الحضارات، ويمثلان صفوة اليسار الأوروبي، الفرنسي ريجيس دوبرية، والسويسري جان زيغلر، فهل سيقول دوبرية لزميله زيغلر "لغتي راقية، سواء أعجبتك أو لم تعجبك، فالمفكر والمناضل ورفيق الثائر تشي غيفارا مثلي... لا ينتظر شهادة من سويسري"؟ هل يمكن أن نتوقع ردا "عنصريا" من مفكر حقيقي، خصوصا عندما يكون الحديث، كما يفترض، في أوساط من يسمون أنفسهم "مثقفين"؟ ويدّعون قيادة الحركة التنويرية في العالم العربي، كالسيد طارق حجي، وهل يعقل أن يصل إلى مستوى الحوار لهذا المستوى المبتذل، وإقصاء "الآخر" (الصراف) فقط بسبب انتمائه إلى إقليم بعينه، الخليج، وفق صورة نمطية مقولبة، تحض على الكراهية!
وماذا لو علمت جامعة أكسفورد التي يتباهى بها الدكتور حجي، أنه مجرد شخص عنصري؟ فهل سيستمر في العمل لديها؟ خصوصا في جامعة عريقة، درس فيها طلاب ينتمون إلى معظم دول العالم، وأخرجت للعالم مفكرين وعلماء وأساتذة كبارا في جميع التخصصات، منذ تأسيسها قبل أكثر من 900 عام، خصوصا وهو يتبجح بالقول" إن التعصب الديني والقومي والوطني والعرقي والأيديولوجي، كلها ظواهر ضد التقدم وضد الإنسانية".
إنها الازدواجية ذاتها عند معظم الانتلجنسيا العربية، بين الفكر والممارسة، التي نراها في وسائل الإعلام، تتحدث عن الليبرالية والعلمانية واحترام الآخر، وحق الاختلاف، لكنها سرعان ما تسقط في أول اختبار حقيقي، فتظهر النعرات الرجعية المتخلفة، والحقد المتأصل والكراهية، والتعصب القبلي والطائفي والمذهبي والمناطقي، والآن الاقليمي، الأمر الذي يؤكد نظرية "العربي القبيح والإعرابي البشع" للراحل غازي القصيبي، في وصفه لظاهرة التأييد العربي للاحتلال العراقي للكويت، والنظرة المتبادلة بين العرب لبعضهم، وفق نظرية المركز والاطراف، والحضر والبدو على الطريقة العربية.
مؤسف جدا أن يتعرض الكاتب الوديع أحمد الصراف لهذا النوع من الانكسارات، وأحسبه متأثر جدا بهذا الجزاء، من شخص مثل الدكتور طارق حجي، طالما رفعه الصراف ووضعه في مصاف العلماء وصفوة المفكرين، وقدمه للقارئ الكويتي بتقدير كبير، ومخجل جدا أن يرد حجي بطريقة ظالمة ومجحفة ومبتذلة، مهما كانت مكانته العلمية، واعتبار المنتمين لمنطقة للخليج لا يستحقون الاحترام.
المؤلم، أن الدكتور حجي، اختار شخصا في مكانة أستاذنا العزيز الصراف، رجل موقر ومحترم، ومناضل من أجل حقوق الانسان، مثقف تنويري، مناهض للتخلف والعنصرية والظلم، علماني حقيقي، وصاحب فكر كوني، واجه الكثير من النقد والهجوم بسبب مواقفه العادلة، خصوصا لصالح المرأة المسلمة المستلبة، وتصدى للطغاة... صغارا وكبارا، ولأصحاب النفوذ، من رجال الدين، والتجار، والطائفيين والقبليين والعنصريين، ومدعي الليبرالية، يؤمن بالتعددية ويحترم الاختلاف، ويشرفني، والكثيرين، اعتباره أستاذا لنا في الحضارة والعلمانية، أخلاقا وعلما، واعتبر نفسي من جيل "الصرافيين"...نسبة لهذا الإنسان العظيم.